مقالات

سالم بن بريك… فرصة إنقاذ وطنية تحتاج إلى دعم لا محاصرة

البعث نيوز
بقلم : صفوان سلطان

في اليمن، صار الحديث عن المرتبات أشبه بالحديث عن المستحيل. موظفون ينتظرون أجورهم منذ شهور، وأسر تبحث عن لقمة عيش وسط بحر من الأزمات، وحكومات تتعاقب دون أن تضع حلًا لهذا الملف الإنساني الذي صار رمزًا لغياب الدولة. وبينما كان المواطن يتنقل بين صبر مرير وغضب مكتوم، جاءت خطوة رئيس الوزراء سالم بن بريك لتعيد الأمل، حين أعلن أن صرف المرتبات سيبدأ الأسبوع القادم وفق آلية واضحة لانتظامها.

هذه الخطوة ليست مجرد خبر اقتصادي عابر، بل حدث اجتماعي وسياسي بامتياز، لأنها تمس حياة ملايين الأسر التي أنهكها الانتظار. ولأنها أيضًا تمثل بداية تحول إذا ما توافرت الإرادة السياسية لدعمه وتمكينه، بدلًا من محاصرته بخلافات وصراعات لن تعود على الوطن والمواطن إلا بالمزيد من الخسارة.

إرث ثقيل لم يخلقه بن بريك

من الضروري التذكير أن أزمة المرتبات لم تُخلق في عهد سالم بن بريك، بل هي إرث ثقيل من حقبة سابقة، حين عجزت حكومة أحمد عوض بن مبارك عن وضع حلول واقعية، وظل الملف معلقًا بين ضيق الموارد وتنازع النفوذ السياسي.

حين جاء بن بريك، لم يختر الملفات السهلة، بل بدأ من قلب الأزمة. ورث حكومة مثقلة بالديون والالتزامات، واقتصادًا منهكًا، وثقة شعبية متآكلة. ومع ذلك، لم يتردد في التوجه مباشرة نحو أصعب الملفات وأكثرها حساسية: ملف المرتبات.

خطوة تعيد الثقة المفقودة

الإعلان عن بدء صرف المرتبات الأسبوع القادم ليس مجرد وعد آخر يضاف إلى قائمة طويلة من الوعود، بل هو خطوة عملية تعيد شيئًا من الثقة المفقودة بين المواطن وحكومته.

فالموظف الذي سيتسلم راتبه سيشعر بأن هناك من يفكر في معاناته، والأسواق ستشهد حركة جديدة، ولو محدودة، تعكس أثر السيولة في حياة الناس. والأهم، أن هذه الخطوة كسرت دائرة الإحباط التي طال أمدها، وأعادت الاعتبار لمفهوم الدولة كضامن للحقوق الأساسية.

التحسن في قيمة الريال… مؤشر جدية

لا يمكن النظر إلى خطوة المرتبات بمعزل عن التحسن الكبير الذي شهده الريال اليمني أمام العملات الأجنبية منذ تولي بن بريك. فقد أثبتت التجربة أن هناك سياسة مالية بدأت تؤتي ثمارها، وأن الرجل يمتلك أدوات عملية لضبط السوق وتحقيق استقرار نسبي.

تحسن العملة ليس مجرد رقم على شاشات الصرافين، بل انعكاس مباشر على حياة الناس: أسعار الخبز، تكلفة النقل، ثمن الأدوية. المواطن البسيط هو أول من يشعر بجدوى هذه السياسة، وهو أيضًا أول من يفقد ثقته إذا تهاوت. ومن هنا تأتي أهمية ربط أي نجاح اقتصادي بقرارات واقعية تستند إلى سيطرة الحكومة على مواردها.

الإيرادات… الشرط الغائب

غير أن أي حديث عن انتظام المرتبات أو استقرار العملة سيظل ناقصًا إذا لم تُحل المعضلة الأساسية: غياب السيطرة الكاملة على الإيرادات العامة.

فاليوم، ما تزال الكثير من موارد الدولة تُحصّل خارج أوعيتها القانونية، وتتوزع بين سلطات ومراكز نفوذ متفرقة. وهذا يعني عمليًا حرمان الخزينة العامة من أهم مصادر تمويلها، وإضعاف قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها.

إن تمكين الحكومة من تحصيل كافة الإيرادات في البنك المركزي ليس مطلبًا ثانويًا، بل حجر الأساس لأي إصلاح حقيقي. فلا جدوى من دعم خارجي أو خطط إصلاح إذا كانت الموارد تتسرب بعيدًا عن مؤسسات الدولة. استعادة السيادة المالية تعني استعادة قرار الدولة، وتعني أيضًا أن وعود انتظام المرتبات ستتحول إلى واقع مستدام.

التحدي الأكبر: الخلافات السياسية

ومع أهمية ما تحقق، يظل الخطر الأكبر هو محاصرة رئيس الوزراء بالخلافات السياسية. اليمن لم يعد يحتمل المزيد من “تعدد الرؤوس”، حيث يجذف كل طرف في اتجاه مختلف. هذه الحالة لم تفرز سوى الفشل، ولم تُنتج سوى مزيد من التآكل في صورة الدولة.

بن بريك أثبت أنه قادر على اتخاذ قرارات عملية، لكن استمراره مرهون بمدى منحه الصلاحيات الكاملة. فنجاحه لا يمكن أن يُقاس بقدرته على المناورة وسط صراعات النخب، بل بقدرته على قيادة حكومة تملك قرارها وتنفذ سياساتها دون تعطيل.

دعم لا محاصرة

اليوم، على القوى السياسية أن تدرك أن دعم رئيس الوزراء في هذه المرحلة ليس دعمًا لشخصه، بل دعمًا لليمن كله.
• إن نجاحه في صرف المرتبات سيكون نجاحًا وطنيًا يعيد الأمل إلى ملايين الأسر.
• وإن استمرار التحسن في قيمة الريال سيُترجم مباشرة في حياة المواطن البسيط.
• وإن تمكين الحكومة من السيطرة على الإيرادات سيضع الأساس لإصلاح اقتصادي حقيقي.

أما محاصرته بالخلافات، فمعناها إعادة الناس إلى نقطة الصفر، وإجهاض أي محاولة لاستعادة الاستقرار.

الرسالة للداخل والخارج
• في الداخل: الموظف الذي ينتظر راتبه الأسبوع القادم لا يريد سماع خلافات السياسيين، بل يريد أن يجد راتبه في حسابه بانتظام.
• في الخارج: المجتمع الدولي والداعمون يراقبون المشهد. إنهم يريدون أن يروا حكومة قادرة على تحويل الدعم إلى استقرار، ولن يثقوا بكيان ضعيف محاصر بالصراعات. نجاح الحكومة في هذه الخطوة سيكون رسالة قوية بأن اليمن قادر على النهوض إذا مُنحت مؤسساته صلاحياتها كاملة.

خاتمة

إن خطوة صرف المرتبات المقررة للأسبوع القادم، والتحسن الملموس في قيمة الريال، تمثلان فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها. لكنها فرصة مشروطة: بإنهاء حالة الصراع، ودعم جهود رئيس الوزراء، ومنحه الصلاحيات الكاملة، والأهم من ذلك تمكين حكومته من تحصيل كافة الإيرادات داخل البنك المركزي. عندها فقط يمكن القول إننا بدأنا مسار الإنقاذ الوطني. أما إذا استمررنا في محاصرته بالخلافات وتجريد الحكومة من مواردها، فإننا نكون قد حكمنا على أنفسنا بالعودة إلى الفوضى، وضيعنا ما تبقى من أمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!