حين خُذِل الجبل وبعث الخائنون أسطورة الإمامة.. الجزء الاول

البعث نيوز ـ بقلم صفوان سلطان
لم يكن اليمن يومًا عاشقًا للعجز؛ هذا وطنٌ اعتاد أن يقف في وجه الريح، حتى لو اشتدت، وطنٌ يقف على قممه رجالٌ صنعوا ملوكًا وأسقطوا عروشًا، وطنٌ يعرف صوته، ويمشي بثباتٍ لا يشبه هشاشة الطارئين على تاريخه.
لكن في تلك السنوات التي سبقت سقوط العاصمة، حدث ما هو أخطر من السقوط نفسه:
اليمن لم ينهزم… بل ركن لمن قالوا إنهم يحمونه، فتركوه عاريًا أمام الخيانة.
كانت المدن تتنفس الخوف لا لأن الحوثي قوي، بل لأن من يفترض أنهم حُماتها كانوا غافلين، مترهلين، متصارعين على فتات المناصب. كانت البلاد كقلعةٍ منيفة، يقف حراسها نائمين، بينما خائن صغير يتسلل لا بجرأة، بل بخطوة المرتعش الذي وجد الباب مفتوحًا.
فالعدو لم يكن جنديًا ولا قائدًا…
كان صدى خرافة قديمة صدّقها مغفلون، ووجدت في بعض الجبال نفوسًا ضائعة تؤمن بالولاية أكثر مما تؤمن بالوطن.
كان الحوثي يحمل سلاحًا ليس فيه قوة… بل فيه وهمٌ عقائدي يتوهم أصحابه أن السماء كتبت أسماءهم منذ القرن الأول، وأن اليمنيين عبيد في كتابٍ أصفر لم يكتبوه هم.
وحين وصلوا إلى أبواب صنعاء، ما كانوا يقتحمونها بصوت المعركة، بل بصمت الخيانة.
كانت الشرعية تتثاءب، تتجادل، تتصارع، تكتب البيانات، تتبادل المستشارين كمن يتبادل أوراق اللعب… بينما الخائن يقترب، ويقترب، في مشهد يجعل التاريخ نفسه يحبس أنفاسه.
لم تكن صنعاء مدينة ضعيفة؛ بل مدينة مخذولة.
لم تسقط لأن الجبل انشقّ أو لأن السلاح نفد…
سقطت لأن من استأمنهم الناس على القرار كانوا أصحاب قرارٍ لا يشبه قرار الدول.
كانت لحظة دخول الحوثي إلى العاصمة تشبه دخول ذئبٍ إلى مزرعة ترك الرعاة أبوابها مفتوحة. ذئبٌ ماكر لكنه ليس شجاعًا؛
ذئبٌ تغذّى على خرافةٍ مريضة تقول إن الدم أحق بالحكم من الوطن، وإن السلالة أقدس من الشعب، وإن الولاية تسبق الجمهورية.
وفي تلك اللحظة، لم ينطق اليمن بكاءً… اليمن لا يبكي.
بل قال كلمته التي تشبه صدى الجبال:
“أنا لم أسقط… أنتم من سقط.”
كانت تلك بداية الملحمة…
لا ملحمة هزيمة وطن، بل ملحمة خيانة نخبة، وصعودِ مشروعٍ معزولٍ يعيش خارج العصر، يضحك على أتباعه بفكرة أن السماء اصطفته، بينما السماء تنظر إليه بوجوم كمن ينظر لطفلٍ يعبث بالسيف.


