الخلافات في مجلس القيادة: تهديد لمكاسب الاقتصاد أم هروب إلى الأمام؟

البعث نيوز _ بقلم: صفوان سلطان
في الأسابيع الأخيرة، شهد اليمن بارقة أمل نادرة في الملف الاقتصادي، بعدما نجحت إجراءات متتابعة في وقف المضاربة بالعملة، وضبط نسبي للكتلة النقدية، وتقييد مسارات الفساد التي التهمت الدولة لسنوات. هذه الإصلاحات، التي بذل رئيس مجلس الوزراء ومعه الاشقاء و الاصدقاء جهدًا كبيرًا لتمريرها، انعكست سريعًا على سعر الصرف وثقة المواطن، وأعطت إشارات أولية على إمكانية استعادة الدولة لجزء من قدرتها المالية.
غير أن هذه الإنجازات لم تكد تترسخ حتى عادت الخلافات السياسية داخل مجلس القيادة الرئاسي إلى الواجهة، لتضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل المسار الاقتصادي. قرارات أحادية من بعض الأعضاء، وصراعات نفوذ تتجاوز روح التوافق، تعطي صورة مرتبكة للمشهد الوطني. والأسوأ من ذلك، أنها تُرسل رسائل سلبية إلى الداخل والخارج مفادها أن السلطة الشرعية لا تزال أسيرة الحسابات الضيقة بدلًا من أن تكون قيادة جبهة إنقاذ حقيقية.
الحقيقة أن الاقتصاد لا يحتمل هذه المناورات. فالإصلاحات المالية والإدارية لا تنجح إلا إذا استندت إلى مناخ سياسي متماسك يدعم الحكومة ويمنح قراراتها الشرعية. أي تصدع في القمة سيترجم فورًا إلى تراجع في الأسواق، وانكماش في ثقة الداعمين، وتردد في خطوات إصلاحية أكثر جرأة، مثل إعداد موازنة شفافة، أو توسيع شبكة الرقابة على الإيرادات، أو محاسبة المتلاعبين بالمال العام.
ويمكن القول إن ما يجري من تضخيم للخلافات هو في جوهره هروب إلى الأمام من بعض القوى داخل المجلس. فبدلًا من الانخراط في مواجهة التحديات الاقتصادية والخدمية، تختار هذه القوى إشعال صراعات جانبية تمنحها مساحة إعلامية مؤقتة، لكنها تضر بالصورة الوطنية الشاملة. والنتيجة أن المواطن الذي بدأ يلمس تحسنًا في سعر العملة، يواجه الآن خطر ضياع هذه المكاسب على مذبح الخلافات السياسية.
إن اللحظة تستدعي وضوحًا في الأولويات: المعركة الحقيقية اليوم هي إنقاذ الاقتصاد، لا توزيع المناصب. وإذا فشل مجلس القيادة في استيعاب هذه المعادلة، فسيكون أول من يتحمل وزر انهيار الإصلاحات الناشئة.
لقد أثبتت التجربة أن التوافق السياسي ليس رفاهية، بل هو شرط وجود لأي استقرار اقتصادي. وأي هزة في رأس الهرم ستتسع دائرتها لتبتلع كل إنجاز، وتعيد البلد إلى نقطة الصفر. فهل يستوعب القادة ذلك قبل فوات الأوان؟