مقالات

كيف يُصبح الصمت خيارًا للبقاء في ظل غياب الدولة وسلطة المليشيات

البعث نيوز _ بقلم/ امين احمد الحاج

عندما تغيب الدولة وتصبح الحرية مجرد شعار، وعندما يتحول القانون إلى سلاح انتقائي، يُصبح الاعتقال السياسي ليس مجرد ممارسة قمعية بل بنية عميقة لإنتاج المجتمع نفسه. هناك يصبح المعتقلين ليس فقط من هم في سجون الاعتقال، بل يصبحوا معظم الناس معتقلون في بيوتهم وفي اعمالهم من خلال صمتهم، ومن خلال جملهم المبتورة، في نظراتهم الحذرة. كلنا معتقلون مؤجلاً، ليس لأننا مجرمون، بل لأن سلطات الأمر الواقع يرى في كل صوت محتمل نذير تهديد للنظام الحاكم.
في ظل غياب الدولة وانعدام سيادة القانون، تتحول الحرية إلى مجرد شعار، ويُصبح الاعتقال السياسي أداة قمعية تُستخدم لفرض السيطرة على المجتمع. في هذا السياق، يصبح كل فرد معتقلاً محتملاً، ليس بسبب أفعاله بل بسبب مجرد احتمال أن يُشكل صوته تهديدًا للنظام الحاكم.
في اليمن، حيث تتعدد السلطات المليشاوية والذين يوطدون حكمهم على القمع والتخويف، يصبح الاعتقال السياسي ليس فقط ممارسة قمعية بل بنية عميقة لإنتاج المجتمع نفسه. يمتد هذا القمع ليشمل كل مساحات الحياة اليومية، حيث يُصبح الخوف من الاعتقال هو السمة الغالبة.
أعداد كبيرة من اليمنيين يعيشون في حالة من الرعب المستمر، حيث يمكن أن يُعتقل أي شخص في أي لحظة بسبب رأي أو موقف معارض. هذا الرعب يؤدي إلى صمت جماعي، حيث يختار الكثيرون التخلي عن آرائهم ومواقفهم تجنبًا للملاحقة.
هذا النوع من القمع لا يقتصر تأثيره على الأفراد المعتقلين فقط، بل يمتد ليشمل المجتمع بأكمله. يصبح الصمت هو الخيار الآمن، وتُخنق الأصوات الحرة التي يمكن أن تُحدث تغييرًا إيجابيًا.
سلطات الاستبداد والمقع تعيد تشكيل آلية القمع من جديد، ولكن بأدوات أكثر توحشًا. لم يعد المعتقل السياسي شخصًا بعينه له تهمة وملف ومحامٍ. بل أصبح وجهًا مجهولاً في غرفة مظلمة، لا يعرف ذويه عنه شيئًا، ولا يُسجَّل في أي قوائم، ولا تعترف به أي جهة.
في النهاية، يبقى السؤال: كم عدد الأصوات التي خنقتها الكوابيس؟ وكم عدد المثقفين الذين غادروا المساحات العامة؟ إن الاعتقال السياسي ليس مجرد أداة قمعية، بل هو آلية لتدمير المجتمع وقمع حريته.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!