مقالات

هل سيشاهد العالم اليمن وهو يموت من الجوع…


البعث نيوز ـ بقلم: صفوان سلطان
كاتب ومحلل سياسي يمني

في زاوية منسية من هذا العالم، يرقد طفل رضيع فوق قطعة قماش بالية، صدره يعلو ويهبط ببطء، ووجهه شاحب كأن الحياة تنسحب منه قطرة قطرة
أبوه عاجز عن شراء علبة حليب. أمه تبكي في صمت بعدما باءت كل محاولاتها بالفشل في الحصول على دواء بسيط يخفف حرارة جسده الضعيف
ليس لأن الدواء غير موجود، بل لأن الجوع أفقر الأسرة، والمساعدات قطعت
هذا المشهد، الذي أصبح متكررا في أرياف اليمن ومدنه، ليس نبوءة، بل واقع يتسع كل يوم

الجوع يزحف والتمويل يتراجع
وفقًا لتقرير مشترك صدر مؤخرًا عن شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة وبرنامج الأغذية العالمي، فإن أكثر من 4.8 مليون يمني مهددون بفقدان المساعدات الغذائية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، نتيجة لانخفاض تمويل خطة الاستجابة الإنسانية إلى أقل من 4 بالمئة فقط من مخصصات الأمن الغذائي
أما الأرقام الأوسع فهي أشد قسوة
بحلول فبراير 2026، سيحتاج أكثر من 18.1 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات غذائية طارئة، أي أكثر من نصف السكان
هذا الانهيار لا يعني فقط حرمان الناس من سلال غذائية، بل يعني موتا بطيئا، جماعيا، يحدث أمام كاميرات العالم بلا حرج

هل يُعقل أن يموت أحد من الجوع في القرن الواحد والعشرين
هل فقد العالم حسه الأخلاقي حتى يسمح لملايين البشر، بينهم آلاف الأطفال، أن يسقطوا في فخ المجاعة، في زمن يشهد فائض غذاء عالمي، وإنفاقا عسكريا هائلا، وتقدما تكنولوجيا يلامس الكواكب
إن ما يحدث في اليمن ليس كارثة طبيعية، بل مجاعة من صنع الإنسان وصمت المجتمع الدولي

حين يصبح الجوع مدخلا للإرهاب
الجوع لا يقتل فقط، بل يُجند
في ظل هذا الانهيار، تستغل ميليشيا الحوثي حالة العوز الشديد لتقايض الأسر المحتاجة على الغذاء مقابل تجنيد أطفالها
الطفل الجائع الذي لم يجد حليبا بالأمس، يُسلم اليوم لكتيبة مسلحة، ويُلقن خطابا دينيا متطرفا، ثم يُرسل إلى الجبهات أو يُستخدم في عمليات تفجيرية
هذا لا يحدث في الخيال، بل في قرى حقيقية، أمام أعين الناس، وبمباركة سيف الجوع
المساعدات الإنسانية التي تصل إلى مناطق الحوثيين لا تُوزع بعدالة، بل تُستخدم كأداة ابتزاز، ومصدر تمويل للحرب، وسلاح لتفكيك الأسرة والمجتمع
ومع استمرار ضعف الرقابة الدولية، تصبح هذه المساعدات أداة لتغذية التطرف لا لإنقاذ الإنسان

نداء لا يحتمل التأجيل
بوصفي إنسانا قبل أن أكون كاتبا أو محللا سياسيا، أتوجه بهذا النداء لكل من يملك قرارا أو تأثيرا أو ضميرا

  1. تحركوا الآن لتوفير التمويل الكامل والعاجل لخطة الأمن الغذائي في اليمن
  2. اضمنوا أن تصل المساعدات لمستحقيها دون تدخل أو استغلال من قبل أي جماعة مسلحة
  3. ارفعوا صوت الضمير العالمي، لأن سكوتنا عن جوع طفل اليوم هو توقيع غير مباشر على جرائم الغد

الطفل اليمني لا يحتاج إلى شفقة، بل إلى حماية
ولا يحتاج إلى بيانات، بل إلى وجبة
ولا يحتاج إلى خطابات، بل إلى دواء
وإن سُمح للجوع أن ينتصر في اليمن، فلن يكون ذلك مجرد مأساة، بل عارا أخلاقيا على جبين البشرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!