تراجع الصواريخ الإيرانية على إسرائيل… مناورة تكتيكية أم بداية انكسار استراتيجي؟

البعث نيوز ـ خاص / بقلم: صفوان سلطان
منذ اندلاع المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران منتصف يونيو الجاري، بدا المشهد وكأنه يمضي نحو حرب إقليمية واسعة، تتجاوز قواعد الاشتباك التقليدية التي التزم بها الطرفان لعقود. إيران، التي فتحت السماء على مصراعيها لصواريخها الباليستية ومسيّراتها الهجومية، بدت لأول مرة وكأنها تُعرّي نياتها بلا قفازات. لكن المراقب الدقيق يلحظ أن شيئًا ما قد تغيّر.
في الأيام الأخيرة، تراجعت وتيرة الصواريخ الإيرانية الموجهة نحو العمق الإسرائيلي، بعد أن بلغت ذروتها في الأيام الأولى، حين انهالت على إسرائيل بأكثر من 400 صاروخ ومسيّرة خلال 72 ساعة. اليوم، بالكاد تُسجَّل عشرات الإطلاقات، ومعظمها يسقط دون أثر يذكر.
هل هدأت إيران؟ أم أنها تُعيد ضبط توقيت النار؟
إسرائيل تُمسك بزمام الجو
الراجح – حتى الآن – أن السبب الأبرز في هذا الانخفاض لا يعود لتغير في نية إيران، بل في قدرتها. فبحسب وول ستريت جورنال، نجحت إسرائيل في تنفيذ ضربات جوية استباقية دمّرت عشرات المنصات الصاروخية قبل أن تُستخدم. تفوق جوي واضح، دعّمه استخبار إسرائيلي عالي الدقة، وغطاء دولي غير معلن.
لا تُخفي طهران خسائرها. فقد اعترفت، ضمنيًا، بأن منشآت نووية ومراكز صاروخية قد ضُربت بعمق، وبأن قادتها العسكريين باتوا هدفًا مشروعًا. الضغط الدولي المتزايد – خصوصًا من واشنطن – وضع سقفًا زجاجيًا فوق رأس الإيرانيين: الرد ممكن، لكن التصعيد الكامل خط أحمر.
ترشيد النيران أم إعادة تموضع؟
المؤشرات تفيد بأن إيران بدأت بتطبيق استراتيجية “ترشيد النيران”، وهي عقيدة معروفة في أدبيات الحرس الثوري: الرد في الحدود الدنيا، مع الاحتفاظ بخيار التصعيد عبر الوكلاء. وليس سرًا أن طهران، حين تُحاصر في خطوطها المباشرة، تفتح خطوطها بالنيابة.
من هنا، نفهم تسارع الإمدادات للحوثيين، والنشاط المقلق لفصائل عراقية قرب الحدود الأردنية، وحتى الإشارات “المضبوطة الإيقاع” التي يرسلها حزب الله من الجنوب اللبناني. إيران لا تُسكت صواريخها، بل تُحركها من مكان إلى آخر.
التراجع.. هل هو بداية نهاية التصعيد؟
الانخفاض المفاجئ في وتيرة الصواريخ لا يعني بالضرورة دخول الطرفين في مرحلة التهدئة. بل الأرجح أنه يعكس توازنًا مؤقتًا قائمًا على الردع المتبادل. إسرائيل تقول: “نستطيع ضربكم في العمق”. وطهران ترد: “لا نزال قادرين على الإيلام”. لكن هذا التوازن هش.
أي خطأ في التقدير، أي ضربة تُفسَّر على أنها إهانة وجودية، قد تعيد فتح كل المسارات النارية من جديد.
اللافت، أن الضربة السياسية الأكبر لم تقع داخل تل أبيب ولا في أصفهان، بل في صنعاء. حين أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن قصف إسرائيل، سقطت كل الأقنعة، وتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن اليمن لم يعد خارج الصراع، بل ساحة رسائل إيرانية مدفوعة الأجر.
فرصة لليمن الرسمي… إن أحسن اغتنامها
ما يجري ليس صراعًا منفصلًا عن ملف اليمن. بل هو لحظة نادرة يمكن أن تستثمرها الشرعية اليمنية، وقيادات سياسية مسؤولة، لإعادة تعريف الحوثي دوليًا: ذراع إيرانية تقصف عواصم الإقليم، وتحتل عاصمة عربية منذ عشر سنوات، وضرورة المساهمة في إنقاذ اليمن من هذه التبعية التي تفرضها ميليشيا الحوثي على اليمن.
التراجع الإيراني ليس سلامًا، لكنه هدوء ما قبل الطور الثاني. والفرصة السياسية لا تنتظر أحدًا.


