حكومة تصريف الأعمال في ظل غياب البرلمان: شرعية معلقة وأداء معطَّل

البعث نيوز ـ بقلم / مازن العسلي
تأتي استقالة رئيس مجلس الوزراء، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، في لحظة حسّاسة تتقاطع فيها الأزمات المتراكمة مع غياب أدوات التصحيح السياسي، وفي ظل هذا المشهد، يُعاد فتح النقاش حول الإطار الدستوري المنظم للمرحلة الانتقالية بين استقالة الحكومة وتشكيل أخرى جديدة، وفقًا لنصوص الدستور، وتحديدًا المادتين (140) و(132).
فالمادة (140) تنص بوضوح على أن: “عند استقالة الوزارة أو إقالتها أو سحب الثقة منها، تُكلَّف الوزارة بتصريف الشؤون العامة العادية، ما عدا التعيين والعزل، حتى تشكيل الحكومة الجديدة”، فيما توضح المادة (132) أن تشكيل الحكومة الجديدة يتم عبر “اختيار رئيس الوزراء لأعضاء وزارته بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ثم طلب الثقة على ضوء برنامج يُقدَّم إلى مجلس النواب.”
وانطلاقًا من هذين النصين، فإن الوضع الدستوري الراهن يُعرِّف الحكومة الحالية بحكومة “تصريف أعمال”، تقتصر مهامها على إدارة الشأن العام اليومي، دون صلاحية اتخاذ قرارات استراتيجية، أو ممارسة صلاحيات التعيين والعزل، أو توقيع اتفاقيات مُلزمة، وتستمر هذه الوضعية إلى حين تسمية رئيس وزراء جديد، وتشكيل حكومة جديدة، ومنحها الثقة البرلمانية بناءً على برنامج معلن.
غير أن هذا الإطار، وإن كان واضحًا في النصوص، يظل مفرغًا من فاعليته السياسية والرقابية في ظل التعطيل المزمن لانعقاد مجلس النواب، فالاستقالة هنا ليست مجرّد انتقال دستوري، بل كاشفة لحالةٍ أعمق من العجز المؤسسي، سببُها غياب الدور الطبيعي للبرلمان بعد كل تشكيل حكومي.
لقد تحوّل مجلس النواب إلى مجرد محطة عبور لنيل الثقة، ثم يُجمد، وتعطل مهامه، وتُقصى رقابته، فيصبح عاجزًا عن تصحيح المسار أو مساءلة الأداء، وهذا ما يجعل حكومات “تصريف الأعمال” تُمارس عملها في فراغ رقابي، دون مساءلة، ودون قدرة على تجديد الشرعية أو تصويب الخلل.
إن استمرار هذا النمط المختل يُنتج حكومات بلا شرعية مكتملة، ويُضعف سلطة الدولة من الداخل، ويُبقي الأداء التنفيذي عرضة للتكرار والاهتراء، كما بيّنته التجارب المتعاقبة، فلا فاعلية حقيقية لأي برنامج حكومي دون رقابة، ولا جدوى من أي تغيير وزاري دون مؤسسات قائمة تُتابع وتُحاسب وتُقوم.
وعليه، فإن توصيف الحكومة الراهنة كـ”حكومة تصريف أعمال” لا يكتمل دون الإشارة إلى مسؤولية غياب البرلمان كمؤسسة رقابية وتشريعية، فالنص الدستوري يفترض وجود برلمان فاعل، يمنح الثقة، ويراقب الأداء، ويضبط الإيقاع السياسي، أما في ظل التعطيل، فإننا لا نُدير مرحلة انتقالية دستورية، بل نُعيد إنتاج الفراغ ذاته الذي أنجب الفشل السابق.
المرحلة اليوم تتطلب أكثر من توصيف دستوري؛ إنها تستدعي قرارًا وطنيًا شجاعًا يعيد مجلس النواب إلى الانعقاد الدائم، ويضع حدًا لدوامة التكرار، ويجعل من المؤسسات أدوات فعل، لا مجرد مظاهر شكلية في لحظات التشكيل.


