مقالات

عندما يتقاتل الساسة على فتات الوطن


البعث نيوز _ بقلم/ صفوان سلطان

الخطر الحقيقي ليس في الفتات نفسه، بل في الفراغ الذي يخلّفه. كلما تقلّصت قضايا النخب، زاد ثمنها على الشعب. وكلما غرقت في تفاصيل الهامش، تمدّدت القوى الأكثر ارهاباً لتملأ الفراغ وتستولي على القرار.

هكذا صارت اليمن مسرحًا لأسوأ أشكال العبث السياسي: سلطة تتآكل، نخبة تتناحر، وشعب يقف في طابور الجوع. في المقدمة فاعل واحد: مليشيا الحوثي، التي أتقنت الصعود فوق الانهيار، تقمّصت دور الضحية، وارتدت عباءة القومية والدين، بينما هي في الحقيقة ثعلب يفرّق الخراف قبل أن يلتهمها.

نجاح الحوثي لم يكن امتيازًا ذاتيًا، بل ثمرة مباشرة لتشتّت النخب التي تركت اليمن فريسة بلا راعٍ. الفراغ لا يبقى فراغًا؛ الضعف يتحوّل إلى قوة مضادة تستمد شرعيتها من انهيار الآخرين. هكذا تحوّلت جماعة دينية مغلقة إلى كيان سياسي وعسكري يتاجر بالجوع، يقتات من دماء الناس، ويستثمر في خراب الدولة، محوّلًا الحرب إلى مصدر رزقه الوحيد.
ما يحدث اليوم لا يمكن اختزاله في صراع شرعية وانقلاب. إنه انهيار كامل لمعنى السياسة. السياسة التي يفترض أن تكون أداة إنقاذ تحولت إلى سباق على المواقع والمكاسب الفردية، تاركة الشعب يواجه مصيره وحده.
في المقابل، ملأ الحوثي المشهد بخطاب ديني زائف، ورسالة خلاص كاذبة، وسردية تبرر كل جريمة: تجويع الأطفال، ترويع المدن، خطف الأكاديميين، سحق النساء في السجون. لم يبقَ شيء لم يُستغل؛ الدين والهوية والتاريخ صارت أدوات في يد مشروع يقدّس القوة ويحتقر المجتمع.
المعادلة التي تحكم اليمن اليوم:
• عندما تتخلى النخب عن مسؤوليتها، يصوغ مصير الشعب من يملك الحديد والنار.
• عندما يصمت القادرون، يعلو صوت من يرى في الدولة غنيمة، وفي المواطن رقمًا، وفي الوطن ساحة جباية.
حان وقت الاعتراف:
الحوثي ليس خصمًا سياسيًا، بل مشروع حكم شمولي قائم على التفريق قبل السيطرة، وصناعة الجوع قبل الولاء، وتحويل اليمن إلى امتداد لأجندة خارجية لا تؤمن بالحدود ولا بالدولة.
اليمن بحاجة إلى:
1. نخبة جديدة لا تخاف الأسئلة الحادة، ولا تخجل من الحقيقة، وترى السياسة إنقاذًا لا منصبًا.
2. مشروع وطني واضح يعلن:
• الحوثي ليس شريكًا في السلام.
• شرعنته خطيئة سياسية.
• تشتت القوى الوطنية أكبر هدية يمكن تقديمها له.
3. إعادة بناء مفهوم الدولة على أساس القانون والعدالة، لا على صفقات اللحظة أو توازنات القوة المؤقتة.
اليمن يعيش أسوأ مراحله الحديثة، ليس بسبب الحوثي وحده، بل بسبب نخبة تنافست على ما تبقى من الوطن وتركت الشعب يواجه الجوع، وتركت المليشيا تتحول من حكاية خراف إلى حقيقة قاسية.
إذا بقي الساسة يتقاتلون على الفتات، سيبقى الثعلب جالسًا على العرش، يلتهم ما تبقى من الخراف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!