مقالات

الإصلاح الاقتصادي في اليمن… عصا أمريكية ودولة عاجزة عن فرض القانون


البعث نيوز _بقلم : صفوان سلطان

تحسن سعر الريال اليمني خلال الأسابيع الماضية أمام العملات الأجنبية بدا للكثيرين وكأنه مؤشر على بداية إصلاح اقتصادي جاد، غير أن القراءة المتواضعة تكشف أن ما جرى لم يكن ثمرة سياسات حكومية متماسكة بقدر ما كان نتيجة الضغط المباشر من وزارة الخزانة الأمريكية. هذه الأخيرة لوّحت بتهديدات صريحة ضد كيانات مصرفية وشخصيات نافذة متورطة في المضاربة، الأمر الذي أجبر السوق على الانضباط مؤقتًا وأتاح للبنك المركزي مساحة للتحكم في حركة النقد.

لكن هل هذا كافٍ؟ الإجابة ببساطة: لا. لأن أي إصلاح اقتصادي لا يمكن أن يقوم على عصا خارجية مرفوعة، بل على مؤسسات دولة قادرة على فرض القانون وإدارة مواردها بكفاءة.

الموازنة أولًا

الاقتصاد لا يعيش على المسكنات. ما لم تُعد الحكومة موازنة عامة حقيقية تحدد الإيرادات والنفقات وحجم العجز، فلن يكون هناك أساس لأي استقرار مالي. كيف يمكن لدولة أن تدير التزاماتها وهي لا تعرف حجم مواردها ولا أوجه إنفاقها؟ ما تحقق اليوم من تحسن في سعر الصرف قد يتبخر غدًا إذا قررت واشنطن إنزال عصاها.

الإيرادات المهدرة

الخلل الأكبر يكمن في غياب توريد الإيرادات العامة إلى البنك المركزي. فما جدوى ضبط البنوك ومحلات الصرافة إذا كانت مؤسسات حكومية بعينها ترفض الانصياع لتوجيهات الحكومة والبنك الصادرة في 17 أغسطس؟ بل ما معنى أن يظل رؤساء تلك المؤسسات في مواقعهم دون مساءلة أو إيقاف، رغم أن القانون يجرّم هذا السلوك؟ الحقيقة المؤلمة أن الحكومة لم تستطع حتى الآن فرض سلطتها على مؤسساتها، فكيف ستفرضها على السوق؟

مكافحة فساد بلا أنياب

يقال إن هيئة مكافحة الفساد أعدت تقريرًا متكاملًا عن المؤسسات المتمردة على قرارات الحكومة وسلمته للقيادة، لكن لا أحد يعلم لماذا لم يُتخذ أي إجراء حتى الآن. إذا كان القانون لا يُطبّق على الفاسدين أو المتلاعبين بالإيرادات العامة، فإن الحديث عن إصلاح اقتصادي يصبح مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي.

دعم خليجي… واختبار يمني

مجلس التعاون الخليجي أعلن مؤخرًا دعمه المتواصل لليمن، سواء عبر المساعدات التنموية والإنسانية التي تجاوزت 37 مليار دولار، أو عبر التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر الأمن الغذائي في أكتوبر المقبل. هذا الدعم ليس شيكًا مفتوحًا بلا مقابل، بل رسالة واضحة: المجتمع الإقليمي والدولي مستعد لمساعدة اليمن، لكن على الدولة أن تساعد نفسها أولًا.

لقد أثبتت التجربة أن الدولة تستطيع فرض النظام على الصرافين تحت تهديد العقوبات الأمريكية، لكنها ما زالت عاجزة عن فرض القانون على مسؤوليها. الإصلاح لا يقوم على عصا واشنطن ولا على بيانات الدعم الخليجية، بل على قدرة الحكومة على مواجهة الفساد داخل مؤسساتها، وإعداد موازنة شفافة، وتوريد كل الإيرادات إلى البنك المركزي. من دون ذلك، سيبقى الريال رهينة المزاج الخارجي، وسيظل قانون القوة والسلاح هو الحاكم الفعلي للاقتصاد والسياسة في اليمن.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!