“بين إعلان نيويورك ورؤية نتنياهو: معركة العرب ضد التوسّع العقائدي”

البعث نيوز
بقلم: صفوان سلطان
من نيويورك، خرجت رسالة عربية موحَّدة تقودها المملكة العربية السعودية، حاسمة في وضوحها، صلبة في موقفها: لا اعتراف بإسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية كاملة الأركان، بحدود واضحة، وعاصمة في القدس الشرقية. هذا الموقف، الذي أُعيد التأكيد عليه أمام العالم، لم يكن مجرد بيان دبلوماسي، بل قاعدة سياسية وأخلاقية جديدة تعيد ضبط معادلة الصراع، وتغلق باب التطبيع المفتوح بلا ثمن.
لكن، وبينما كانت أصداء “إعلان نيويورك” تتردد في أروقة السياسة العالمية وتحظى بتأييد دول مؤثرة من الشرق والغرب، خرج بنيامين نتنياهو بتصريح يكشف عمق الأزمة الفكرية التي تعيشها إسرائيل اليوم. ففي مقابلة تلفزيونية، أعلن أنه مرتبط “برؤية إسرائيل الكبرى” التي تشمل فلسطين وأجزاء من الأردن ومصر، في خطاب يعيدنا إلى خرائط استعمارية عفا عليها الزمن، وينسف أي أفق لسلام عادل.
هذا التصريح ليس عثرة لسان، ولا مجرد تلاعب بلغة التاريخ؛ إنه إعلان رفض قاطع للسلام، وتأكيد على أن مشروع نتنياهو ليس التعايش، بل التوسّع على حساب الجغرافيا والسيادة العربية. فكيف يمكن أن يُبنى سلام مع عقلية ترى في أراضي الآخرين “وعداً تاريخياً” لها، وتتعامل مع القانون الدولي وكأنه توصية غير ملزمة؟
الموقف السعودي هنا لا يمثّل الرياض وحدها، بل يُجسّد الإجماع العربي في لحظة نادرة، ويعيد البوصلة إلى مسارها الصحيح: القضية الفلسطينية ليست ورقة مساومة، وأي علاقة طبيعية مع إسرائيل مشروطة باعتراف كامل بالدولة الفلسطينية. هذا هو الحد الأدنى الذي لا يقبل التنازل، ولا يقبل التأويل.
وفي المقابل، يظهر نتنياهو وكأنه يتعمد استفزاز هذا التوجه العربي، بإعادة إحياء خطاب عقائدي توسعي، يعزل إسرائيل عن محيطها، ويجعلها خصماً لكل جيرانها، لا شريكاً في أمن المنطقة. هو خطاب لا يهدد فلسطين وحدها، بل يمس الأردن ومصر، ويهدم الأسس التي قامت عليها اتفاقيات السلام.
اليوم، الكرة في ملعب المجتمع الدولي. فإذا كان العالم جاداً في التزامه بحل الدولتين، فعليه أن يقرأ جيداً الفارق بين رسالتين: رسالة عربية تحمل مشروعاً للسلام العادل، ورسالة إسرائيلية تعلن التمسك بمشروع الضم والهيمنة. هنا، يُختبر صدق العواصم الكبرى، بين من يدعم القانون الدولي، ومن يبرر الخروج عليه.
المملكة، ومعها العرب، وضعت القاعدة: الاعتراف مقابل الدولة، والسلام مقابل إنهاء الاحتلال. ونتنياهو، بخطابه الأخير، وضع نفسه في خانة من يرفض السلام ويصر على بقاء الصراع. وفي السياسة، من يرفض السلام العادل، يتحمل مسؤولية الفوضى القادمة.


