مقالات

عندما يتحول المركز إلى شيطان.

البعث نيوز ـ بقلم : م/ امين الحاج

بقلم / م امين الحاج
عندما يتحول المركز من رمز وطني وإداري ورأسمالي سياسي لكل الوطن إلى شيطان، يكون حال الوطن هذا هو الواقع المرير الذي يعيشه اليمن أرضًا وإنسانًا. هكذا يصبح الوطن عندما تختلف قوى المركز التقليدية القبلية المستأثرة بالحكم مع من تعتبرهم قوى هامشية، برغم أنها تعلم أنهم هم الأغلبية، وأنها تستطيع، عندما تشعر هذه القوى التقليدية بخطر سحب بساط الحكم من تحت قبضتها، أن تضحي بكل الوطن وتتحالف مع الشيطان من أجل أن تبقى هي في سدة الحكم. فهي تستطيع أن تتلون حتى تتمكن من ركوب موجة التغيير وأن تصبح هي من تقود التغيير، كعادتها، وأن تصبح هي قائدة النظام الجديد، أيًا كان شكله: عسكريًا، مدنيًا، دينيًا، أو حتى ثوريًا. وشعارها الدائم الذي تخوف به المجتمع: “إما نحن… وإما الفوضى”.
هذا واقع مرير يفسر أزمات الحكم المزمنة وانهيار المشاريع الوطنية في اليمن. كيف لا وهي كانت تعتبر في الأنظامة السابقة الوجه الخفي للسلطة، والعدو الصامت لأي محاولة تغيير حقيقي؟ اليوم، عندما تلتقي مصالحها مع التيارات الدينية المذهبية المتأسلمة المتصارعة، والتي كانت الإطاحة بها تتطابق مصالح الشركاء الأعداء في تطابق مريب، الأول يحتكر الدين والمذهب والقبيلة والمظلومية، والثاني يحتكر الدين والمذهب والقبيلة والمظلومية، وجميعهم يوظفون الجغرافيا ضد الوطن.
عندما تلتقي المصالح والأهداف وتحت مشروعًا واحدًا للجميع، وهو إعادة تشكيل الوعي لإزاحة الصراع من ميدانه الوطني الحقيقي، أي من حلبة السياسة والاجتماع والاقتصاد والدولة، والتي تشكل فيها قوى الهامش الوطنية أغلبية، إلى خنادق الدين والجهة والقبيلة والثأر، وعلى اختزال الدولة في المركز، واختزال المركز في نخبة، واختزال النخبة في جهة، ثم اختزال الجهة في جماعة، وهكذا حتى يتحول الوطن كله إلى خريطة من الكراهية في سبيل تكريس الرمزية المقدسة للمركز، بحيث يصبح كل مشروع وطني متهمًا سلفًا بأنه ضد التمركز، وتصبح كل دعوة من قوى الهامش للوحدة الوطنية موضع شك بين قوى الهامش نفسها. وهكذا تكون قوى المركز قد نجحت، برغم اختلافها المذهبي، في نزع الصراع الحقيقي من سياقه (الطبقي – التنموي) وتقديمه بوصفه صراعًا جغرافيًا بحتًا، حيث يصور الصراع كعملية إقصاء متعمد لقوى الهامش لصالح قوى المركز الجديد.
بعد نجاحها في تفتيت الوعي الوطني، لم يعد السؤال اليوم هو: ما شكل العدالة الاجتماعية؟ بل صار السؤال: من هو المهمش ومن هو المتمركز؟ ولم يعد الهدف بناء دولة لكل مواطنيها، بل بناء توازن هش بين كيانات متناحرة تهدد بعضها بعضًا بالخروج أو الردة أو المفاصلة. ومن هنا نؤكد بأن قوى الهامش ستظل هامشًا حتى وهي في سدة الحكم، وستظل قوى المركز تحكم حتى وهي مشردة. وتبقى الدولة، تلك التي حلم بها الغالبية العظمى، كلمة مؤجلة في فم قوى الفساد والخراب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!