حين يتحدث محافظ البنك… وتبكي الأرقام

العث نيوزـ بقلم
صفوان سلطان
في بلد تُقال فيه كل يوم كلمة “إصلاح”، دون أن يشعر بها المواطن في ثمن الخبز أو دواء القلب، خرج علينا محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد غالب المعبقي، عبر الصحفي المعروف فتحي بن لزرق، ليكسر الصمت بتصريحات أقرب إلى المكاشفة منها إلى التبرير.
بن لزرق، الذي نقل تفاصيل اللقاء، لم يذهب بعيون التسويق ولا بلغة البروباغندا، بل بعين الصحافة التي قالت بوضوح: ذهبت إلى البنك بعين الصحافة وعدت بها. وما بين الذهاب والعودة، كانت هناك أرقام تُبكي، وحقائق تصفع، وأسئلة تبحث عن دولة!
دولة بدون إيرادات… ومصرفات بلا ميزانية
من بين أكثر من 167 جهة حكومية، هناك 147 جهة لا تسلّم إيراداتها إلى البنك المركزي. أين تذهب؟ من يسيطر عليها؟ وكيف تُصرف؟ تلك أسئلة لم يجب عنها أحد، لكنها كفيلة بأن تُفقد أي إصلاح اقتصادي معناه.
صرّح المحافظ بأن ما يصل إلى البنك لا يغطي سوى 25% من الالتزامات الحكومية! ولعلّ الطامة الكبرى أن البلد بلا موازنة حكومية منذ عام 2019، تسير فيه المالية العامة كما تسير السفينة التي لا تعرف من أين أبحرت ولا إلى أين ستصل.
الإصلاح في اليمن: برنامج لإنعاش اللصوص!
في كل مرة يُعلن فيها عن “برنامج إصلاح اقتصادي”، ترتفع الأسعار، ويتضاعف الجوع، وينهار الريال، ويُنقل العبء كله إلى ظهر المواطن الذي لم يعد يملك ظهر اصلاً. والمفارقة أن الإصلاح لا يطال إلا جيب الفقير، بينما تزداد أرباح ناهبي الإيرادات التي لا تورد اصلاً، وتتوسع أمبراطوريات الفساد في الداخل.
فأي إصلاح هذا الذي يبدأ برفع الدولار الجمركي ولا يبدأ برفع القبضة عن الإيرادات المنهوبة؟!
وأي “برنامج إنقاذ” يُفرض قبل أن نعلم كم لدينا، وكم علينا؟!
فلنضع العربة خلف الحصان… لا أمامه
إذا كنا جادين في انتشال هذا البلد من قعر الانهيار، فليكن ذلك بتسلسل منطقي، لا بشعارات مرتجلة:
1. أولاً: وقف نزيف الإيرادات، وردّها إلى البنك المركزي دون استثناءات، كما طالب المحافظ، وعلى وزارة المالية و البنك المركزي ان يكشفوا للشعب من هي الجهات التي تسببت في شقاءها بتسريب ايرادات الدولة الى خارج مقرها في البنك المركزي.
2. ثانيًا: إعداد موازنة حكومية حقيقية، نعرف من خلالها “رأسنا من أقدامنا”، كما قال المعبقي.
3. ثالثًا: تحديد مقدار العجز، لا تخمينه وفق المزاج أو الرغبة.
4. رابعًا: إطلاق برنامج إصلاح اقتصادي منضبط، شفاف، يراعي العدالة الاجتماعية، ويبدأ من تقليم أظافر الفساد لا من جيب المواطن المطحون.
◦ كلمة أخيرة…
لن يُنقذنا دولار جمركي جديد، ولا جرعة سعرية قادمة. ما لم تكن هناك نية صادقة لبناء دولة حقيقية، تعيد الاعتبار للمالية العامة، وتكسر حلقة النهب التي لا تُحاسب أحدًا، فلن يكون “الإصلاح” سوى وصفة لتسمين من ينهبون، وتجويع من ينتظرون الدولة على باب رغيف العيش.


