“الحرب على وشك التوقف”… طبعا، وأيضا غدا ستشرق الشمس من الشمال!تقرير موسع

البعث نيوز ـ فتحي أبو النصر
عن وكالة أنباء الشرق الأدنى.
عن الوكالة الشرقية للانباء.
حين تقرأ تحليلا يتوقع أن تتوقف الحرب بين إسرائيل وإيران الليلة، لأن الأمور “بلغت حدا ينذر بالانزلاق”، تشعر وكأنك تشاهد نشرة الأحوال الجوية العاطفية، لا مشهدا جيوسياسيا مشتعلا.
وهنا علينا أن نكون واقعيين: من الواضح أن الضربات لم تصل بعد إلى الحد الكافي الذي يرضي “الغرائز الجيوسياسية” للطرفين، بل ربما نحن فقط في استراحة بين جولتين من الكارثة.
فالاعتقاد أن روسيا وأمريكا وبقية “دول الخمس العظمى” سيتدخلون فورا وبحزم ليوقفوا المواجهة، يشبه توقع أن يقوم الأمن في حفل روك بضبط الجمهور لأنه بدأ يهتف بصوت عال.
هذه الدول لا تتدخل إلا بعد أن تتأكد أن الدخان كاف لتوقيع اتفاق يصب في مصلحة مخازن سلاحها أو أسواق نفطها.
وإذا تأخرت عن التدخل، فذلك غالبا لأنها ما زالت تعد ميزان الربح والخسارة: من سيربح أكثر من استمرار التوتر؟
إيران، في هذا السياق، يُفترض أنها قد “اكتفت” بردها الأخير، وكأن طهران تدير ميزان الحرب بنفس فلسفة “طبق اليوم” في مطعم جامعي: وجبة واحدة تكفي ولا مزيد. لا، إيران ليست راضية، ولا إس..رائيل تنوي الكف.
فيما المنطقة ليست ساحة نزال “شريف” ينتهي بجولة واحدة. هذه مواجهة استراتيجية، وكل طرف فيها يرى نفسه وصيا على مصير أمة، لا مجرد لاعب شطرنج يبحث عن تعادل.
لكن، فلنفترض حسن النية للحظة (وهو تمرين فلسفي بائس)، ونتخيل أن الطرفين سيجلسان غدا لطاولة مفاوضات. السؤال: من سيدير الطاولة؟ الشبح! الذي لا يستطيع تذكر اسم رئيس وزراء إسرائيل أحيانا؟
أم بوتين المشغول بشطب أوكرانيا من الخارطة؟ أم الصين التي تضحك في الخفاء على هذه الحروب المجانية التي تستهلك الغرب والشرق معا؟
والأهم: ما هو هذا “الاتفاق السحري” الذي سيجعل إيران ترضى وتتراجع، وتمنح إس..رائيل “حق الحياة” في سلام أبدي؟ الاتفاق النووي؟ دعونا لا نضحك على أنفسنا. الملف النووي هو البند السادس عشر في قائمة مشكلات الشرق الأوسط. هناك ما هو أعمق، أقدم، وأعند من تخصيب اليورانيوم: الكراهية الوجودية، والهوس الأمني، وعقدة “الرسالة الإلهية” التي يتبناها كل طرف ضد الآخر.
ولا تنسوا البعد الاقتصادي: الحرب ليست مجرد صواريخ ومفاوضات، بل أيضا سوق كبيرة لبيع الأوهام والسلاح. فمن قال إن أحدا يريد فعلا إنهاء هذه الحرب؟ من سيكسب من السلام؟ الصناعات العسكرية؟ لوبيات الضغط؟ النخب السياسية المترنحة في استطلاعات الداخل؟
كلا. الجميع يجد في استمرار التوتر فرصا ذهبية: لتبرير قمع داخلي، أو توسيع نفوذ إقليمي، أو لتمرير ميزانية تسليح فلكية.
نعم، قد تُسجل هدنة، أو تهدئة إعلامية، أو حتى “اتفاق مبدئي على تخفيض التصعيد”، لكن الحرب الحقيقية لن تتوقف. لأن الحرب ليست فقط في الصواريخ والمناوشات، بل في الأيديولوجيا، وفي العمق التاريخي، وفي آبار النفط، وفي الكتب المدرسية، وفي نشرات الأخبار، وفي تمويل الميليشيات من لبنان إلى اليمن.
والواقع أن كل ما سيحدث هو إعادة تموضع. إعادة شحن للبطاريات العسكرية والإعلامية، وتحضير لجولة مقبلة. حتى التهدئة – إن حصلت – ستكون وسيلة لتحسين شروط الحرب القادمة.
نعم، يقال إن كل حرب تنتهي باتفاق. لكن الاتفاق لا ينضج على لهب الضربات الأولى، بل بعد أن يشبع الطرفان من الدمار، أو حين يتحقق أحد أهدافهما الكبرى. وحتى الآن، لا إيران تراجعت عن طموحها، ولا إس..رائيل تخلت عن هوسها الأمني، ولا أمريكا أو روسيا قررتا أن “توقفا” هذا العبث. رغم تصريحات ترامب أنه سيعمل على إيقاف الحرب ،بالعكس، يبدو أن الجميع منخرط إما بالمشاركة أو بالمراقبة الممتعة من الشرفة.
ثم نصل إلى نقطة مهمة جدا: ما هو “المخفي” في هذه الحرب؟ سؤال وجيه، لكن جوابه أبسط مما يبدو: المخفي ليس مؤامرة غامضة من نوع “خطة لتقسيم الهلال الشيعي إلى جزأين”، بل حقيقة بسيطة: الحرب مفيدة. نعم، مفيدة لهم، مضرة لنا. مفيدة للأنظمة، للشركات، للمخبرين، ولصناع القرار الذين لن تطالهم الصواريخ بل ستطالنا نحن.
لكن علينا، تذكر: كلما قال أحدهم إن الحرب ستتوقف قريبا، اسأله: لمن بالضبط؟ لنا نحن من نتابع الأخبار وننتظر السلام؟ أم لهم من يصنعون مبررات البقاء والاستمرار من تحت أنقاض الحروب؟
فدعونا لا نغرق في تفاؤل وردي في منطقة لا تنبت فيها سوى أشجار السرو والبارود.!



