خالدون في سبيل البعث.. من سجل النضال القومي المجيد”العمِيد عُثْمَان أَبُو مَاهِر المِخْلَافِي الشَّاعِر والمُقَاتِل الثَّائِر”

البعث نيوز
بقلم/ محمد سيف المفلحي
حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الأمة من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتأريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيرَه في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا هي أهدافه، قومية تقدمية انسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الأمم، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضين في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. انَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الامة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط الى الخليج.
يسعى هذا الباب الى القاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي ، وحلقة اليوم هي من تاريخ العميد عثمان ابو ماهر المخلافي في اليمن.
العمِيد عُثْمَان أَبُو مَاهِر المِخْلَافِي الشَّاعِر والمُقَاتِل الثَّائِر
(إضاءة على نضاله وشعره)
يحيى محمد سيف المفلحي
مقدمة
العميد عثمان سيف قاسم المخلافي الشهير بـ (عثمان أبو ماهر)، هو شاعر وطني وكاتب قصصي وروائي ومسرحي، وهو مقاتل وقائد عسكري سبتمبري، وإداري ودبلوماسي، وأحد أحرار اليمن ومناضليه الشرفاء، الذين لم تكن تعنيهم المغانم والمناصب والمصالح والمكاسب الشخصية بقدر ما كان يعنيهم تحقيق المبادئ والأهداف العظيمة لثورة السادس والعشرين من سبتمبر اليمنية الخالدة، والمصالح الجمعية للوطن والشعب والأمة العربية.
إن الحديث عن المقاتل الشاعر عثمان أبو ماهر هو حديث عن بطل من أبطال اليمن المعاصرين، وثورة 26سبتمبر الميامين، نذر حياته وزهرة شبابه لشعبه ووطنه، وحمل رأسه على كفه مدافعاً عن الوطن والثورة. وكان يصول ويجول كالمارد الجبار في شمم بساحات الوغى، ومدفعه يصب في أعين الطغاة عمى، وترك بزنده وزناد بندقيته بهامات الذرى أثراً لا يمحى.
كان مناضلاً وطنياً وقومياً صلباً لا يساوم ولا يداهن، ولا يخشى في الحق لومة لائم، ثابتاً على مواقفه المبدئية وقناعاته الراسخة كرسوخ جبال اليمن الشماء، لم تثنيه عن مواقفه وقناعاته العواصف الهوجاء، وكل أساليب الترغيب والترهيب التي تعرض لها خلال مسيرة حياته العسكرية والنضالية التي بلغت ذروتها بالحكم عليه بالإعدام ثم السجن المؤبد، ثم الإقصاء عن الجيش، والجحود لأدواره النضالية، والتطفيش والتهميش وفقاً للحقائق التي سيأتي ذكرها.
لكنه رغم ذلك كان على يقين بأن الأرض لا يمكن أن تتنكر له ولكل من أعطى الحياة لها واقتحم أهوال الحروب يذود عنها وعن ثورة أبنائها. ورغم أنه أصبح بفعل ما حل به (يمشي بشوارع صنعاء، كراعية فحمية اللون ضيعت غنمها) ورغم احتسائه كؤوس الألم والمرارة، إلا أنه لم يحد عن خطه الوطني ومواقفه المبدئية المدافعة عن الوطن وثورته ونظامه الجمهوري، وحق المواطن اليمني في الحرية والعيش الكريم منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962وحتى وفاته رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته. لم يندم على زهرة شبابه وعلى عمره الذي قضاه مناضلاً بالسيف والقرطاس والقلم في سبيل البعث وشعبه ووطنه وثورته، ولم يجنِ منه سوى الجحود والتهميش، لأن الندامة لا مكان لها عند أبو ماهر، ولأن العميد عثمان أبو ماهر (إذا ناده وطنه حتى بعد موته لصراع المحن فإنه سوف يلبي النداء ويأتي ثائراً من كفنه) كما يقول في شعره.
هو حديث عن إنسان، ودود وخدوم لكل من يقصده بخدمة وهو قادر على تحقيقها، ظل طيلة حياته متواضعاً وبسيطاً في أسلوب حياته وتعامله مع الآخرين، وعازف بشكل شبه صوفي عن اغراءات الدنيا وبهارج السلطة الفاسدة المفسدة، وامتيازاتها التي يتهافت بل يتقاتل عليها المتهافتون الانتهازيون والنفعيون. هو حديث عن ثائر وطني حر، مسكون بحب وطنه، وتاريخ شعبه وأمجاد أجداده التبابعة العظماء الذين كانوا أهل بطولة وطيب رجولة وطمحت خيلهم في القرون الغابرة احتلال القمر، ويطمح أبو ماهر بأن تشرق من جديد شمس الحضارة العربية اليمنية في سماء الوطن والأمة بعد غياب طويل.
هو حديث عن شاعر ثائر، ملتزم ومرهف الأحاسيس والمشاعر استطاع بجدارة أن يحتل موقعه بين شعراء اليمن العسكريين المعاصرين القلائل، الذين سبقوه، وفي مقدمتهم شاعر الجيش في أربعينيات القرن الماضي، العقيد أحمد حسين المروني أو العقيد يوسف الشحاري صاحب المواقف الوطنية والأدبية الحاسمة في السبعينات، الذين جمعوا بين السيف والقلم كما يقول الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح (وحاولوا أن يجددوا ذكرى البارودي، وحافظ إبراهيم من الشعراء العسكريين العرب في العصر الحديث) .(1)
🔸الميلاد والتعليم
ولد عام 1941م في قرية (المبيريك) المخلاف الأسفل -(2) مديرية شرعب السلام – محافظة تعز الجمهورية اليمنية. بدأ دراسته الأولى في كتاب قريته بحفظ القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة والحساب، (ثم انتقل إلى مدينة زبيد ليواصل تعليمه) (3) ثم غادر أرض الوطن إلى السعودية عام 1955م، وتنقل في عدة أعمال وواصل دراسته في العلوم الدينية (4) الفقه والحديث والتجويد والتاريخ واللغة العربية في الرباط اليماني بمكة المكرمة على يد العلامة (علوي المالكي) و(عبد العزيز الخليفي) إمام الحرم المكي، كما التحق بمدرسة (الفلاح) في مكة المكرمة (5) ذات الشهرة الواسعة وقتها.
🔸النشاط الإعلامي قبل الثورة: بدأ حياته النضالية في النشاط الإعلامي الثوري المناهض لحكم الإمامة في شمال الوطن اليمني والاستعمار البريطاني في جنوبه أثناء دراسته وعمله في السعودية. وفي مراسلة البرنامج الإذاعي (صوت الجنوب اليمني المحتل) الذي كان يعده ويقدمه من إذاعة صنعاء قبل ثورة 26 سبتمبر الأستاذ محمد عبد نعمان الحكيمي والأستاذ المذيع عبد الله حمران.
🔶 الانتماء للبعث
أجمع كل من كتبوا عن العقيد عثمان أبو ماهر، بأنه انتسب في وقت مبكر لحزب البعث العربي الاشتراكي بما فيها حتى بيان النعي الرسمي الصادر عن وزارة الإعلام. أما من كسبه للبعث فتفيد المعلومات التي حصلت عليها من مصادر بعثية موثوقة في الآونة الأخيرة بأن العميد عثمان أبو ماهر عندما عاد من السعودية إلى اليمن التقى بالمناضل البعثي القديم الأستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي والذي سبق أن تعرف عليه من خلال متابعته ومراسلاته لبرنامج (صوت الجنوب اليمني المحتل) كما أسلفنا، وخلال هذا اللقاء المباشر، عمل الأستاذ محمد عبده نعمان على استقطاب عثمان أبو ماهر لحزب البعث العربي الاشتراكي مطلع الستينات من القرن الماضي في صنعاء، وإن عثمان أبو ماهر لم يقطع علاقته التنظيمية بحزبه حزب البعث، بل كان حتى آخر أيام حياته مرتبطاً بنائب أمين سر قيادة قطر اليمن لحزب البعث العربي الاشتراكي القومي الأستاذ عبد الواحد هواش.
🔶 الخلية الخاصة
وبتوجيه من الأستاذ محمد عبده نعمان (مسؤوله الحزبي) اتجه أبو ماهر إلى مدينة الحديدة؛ لينضم إلى الخلية الخاصة التي تشكلت هناك لمهام خاصة، بمعرفة الأستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي والرائد محمد الرعيني الذي كان يعمل مديراً للأمن في محافظة الحديدة ومن ثم مسؤول تنظيم الضباط الأحرار فرع الحديدة، بعد تشكيله عام 1961 م والشيخ علي شويط ، وتتكون تلك الخلية من: عثمان أبو ماهر و(علي شويط)، و(محمد أحمد المصري).
وإثر إلقاء القبض على (علي شويط)، و(محمد المصري)؛ هرب عثمان أبو ماهر لاجئًا إلى صديقه الشيخ (محمد زين هادي هيج) في وادي (مور) (6)
واستقر في مدينة (الزهرة) في محافظة الحديدة، لعدم تمكنه من الظهور في المدن الرئيسية وفي منطقته محافظة تعز بالذات، (7) حيث ظل هناك حتى قيام الثورة والجمهورية التي أطاحت بالنظام الإمامي عام 1382هـ/1962م.
🔸 المهام والمناصب العسكرية بعد الثورة
ما أن سمع عثمان أبو ماهر بنبأ قيام الثورة والجمهورية حتى اتجه من مخبئه في مدينة الزهرة إلى مدينة الحديدة، والتقى هناك الرائد (محمد الرعيني) الذي أرسله فوراً إلى العاصمة صنعاء ليلحق في صفوف المدافعين عن الثورة؛ وفور وصوله إلى صنعاء، كلف مع اثنين من الضباط وهم: (عبد الكريم الحوري)، و(عبد الوهاب الحسيني) بملاحقة الإمام المخلوع (محمد بن أحمد بن يحيى حميد الدين) المعروف بـ(البدر)، في جبال وشخة في محافظة حجة بعد أن تمكن من الهرب من القصر الملكي (قصر البشائر) بصنعاء.
🔸 قائد لمدينة ( حرض )
نظراً لما عرف عنه من شجاعة وإقدام تم تعيينه نائباً لقائد منطقة ومدينة (حرض) التي كانت تتبع لواء الحديدة، حيث قاد هناك قوات الثورة والجمهورية في أول مواجهة عسكرية مسلحة ضد القوى الملكية في منطقة (الخوبة) الحدودية مع المملكة العربية السعودية وحقق أول انتصار لقوات الثورة والجمهورية على قوى الإمامة بقيادة الإمام المخلوع محمد البدر لأن الذي كان يقاتل من أجل الثورة هو الشعب بإيمانه وإخلاصه لها والذين يقاتلوا مع الإمامة كانوا مجبورين وبلا إيمان. وكانت الخوبة تقع في آخر الحدود السعودية وتبعد عن حدود اليمن بنحو ميلين إلى ثلاثة، وكانت قبل الثورة تستعمل مركزاً لتهريب الماشية من اليمن وتهريب بقية الممنوعات، وهي قريبة من الأراضي اليمنية السهلية والجبلية، فجمع الملك المخلوع محمد البدر إلى (الخوبة) ما يحتاج إليه من الغذاء والسلاح والمال والرجال وبعض الخيام ومن هناك أرسل حملته الأولى بنحو ألف مقاتل بقيادة (على رجل هبة) وكانت في حرض قوة يمنية صغيرة لا تزيد على المئة مع عدد بسيط جداً من المدرعات. وبإحساس الإيمان بالثورة والدفاع عنها صمدت القوة الصغيرة وأفادتها كثيراً المدرعات والأراضي السهلية، فقتل عدد كبير من المهاجمين وقبض على (علي هبة) وأعدم في صنعاء، وأرسل البدر الحملة الثانية وكان في انتظارها هذه المرة قوات من الجمهورية العربية المتحدة وكانت بجانب هذه الحملة حملة أخرى لاحتلال ميدي. وقد تولى الأسطول العربي المصري ضرب الحملة الموجهة إلى ميدي، وبعد هاتين الحملتين لم تحصل أي محاولة تذكر في هذه الجبهة واتجهه (البدر) بمحاولاته نحو المناطق الجبلية الملكية) (8) . وبعد هذا النصر المؤزر تم تعيين عثمان أبو ماهر قائداً عسكرياً لتلك الجبهة.
🔸وسام البطولة ومساعد قائد الحرس الوطني
وفي15مارس عام 1963 كرم من قبل قيادة الثورة والجمهورية (بمنحه وسام الشرف البطولي، كأول ضابط في الجيش اليمني يقلد هذا الوسام (9) . وفي سنة 1385هـ/1965م التحق عثمان أبو ماهر بجهاز المخابرات العامة، الذي كان يرأسه العميد (محمد عبد الواسع قاسم نعمان). وفي العام السابق نفسه 1965 عين مديرًا لمكتب المخابرات العامة في مدينة (الراهدة)، في محافظة تعز، ومسؤولاً عن امدادات الجبهة (القومية)، لتحرير الجنوب اليمني المحتل.
ونظراً لشجاعته وخبرته القتالية وحنكته القيادية، وثقافته الثورية، وإيمانه المطلق بالثورة والنظام الجمهوري تم تعيينه مساعداً للقائد العام للحرس الوطني.
🔶 الحكم بالإعدام
في منتصف عام 1966 وبعد عودة المشير عبد الله السلال رئيس الجمهورية فجأة إلى العاصمة صنعاء من العاصمة العربية المصرية، القاهرة، الذي كان منفياً فيها لمدة عشرة أشهر قامت الاستخبارات اليمنية بالتعاون والتنسيق بحملة اعتقالات واسعة للمعارضين لسياسة الإقصاء من أجهزة الدولة الحساسة المدنية والعسكرية والنفي والتهميش والاغتيال لرجال الثورة المخلصين، حيث بلغ عدد المعتقلين في هذه الحملة وفقاً لما جاء في كتاب الدكتور محمد علي الشهاري “مجرى الصراع بين القوى الثورية والقوى اليمنية ” ( بلغت 400 شخص بتهم سياسية عدا 50 شخصاً متهمين بالتجسس لقوى أجنبية حسب تصريح المدعي العام العميد محمد الأهنومي (10) (المحسوب على التيار الناصري) وغيرها من التهم الملفقة كـ (محاولة قلب نظام الحكم) و(البعثية والشيوعية) بالإضافة إلى فرار العديد من المتهمين الذين هم من مختلف اتجاهاتهم السياسية والذي كان أكثرهم ينتمون لحزب البعث العربي الاشتراكي، وكان العميد عثمان أبو ماهر هو من ضمن المعتقلين في هذه الحملة وحكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبد ثم تم إطلاق سراحه بعد ستة أشهر من اعتقاله (11). وتأتي هذه الاعتقالات والإعدامات استكمالاً لسلسلة الإقصاء والنفي والسجن والاغتيالات التي تعرض لها الضباط الأحرار والمناضلين الشرفاء الذين خططوا لثورة 26سبتمبر، وقادوا الدبابات والمدرعات لدك قصر البشائر من قبل الذين سلموا هؤلاء الضباط المواقع القيادية دون أن يكون لهم أي دور يذكر في الإعداد والتنفيذ لقيام الثورة(12).
وعندما تعالت أصوات الشعب ممثلاً برموزه الاجتماعية والسياسية وقواه الحية والواعية في كل مكان ضد هذه التصرفات (وعندما ارتفع مقياس الخوف لدى رئيس الجمهورية من (الجيش) والشعب عمل على استمالة القيادة العربية المصرية إلى صفه التي جاءت إلى اليمن بطلب من الضباط الأحرار لدعم الثورة.
🔸الدراسة العسكرية في موسكو
وفي العام 1966 الذي تم فيه الإفراج عنه تم نفيه بشكل غير مباشر للدراسة العسكرية في أكاديمية المدرعات – بموسكو (الاتحاد السوفيتي سابقاً) والتي درس فيها لمدة ثلاث سنوات تخرج منها عام 1969م.
عاد إلى صنعاء بعد أحداث عاصفة لم يكن مشاركاً فيها، انقلاب 5 نوفمبر1967م، وحصار السبعين يوماً لـصنعاء من قبل القوى الملكية ومن يقف خلفها، وغيرها من المواجهات (15). ونظراً لمواقفه الرافضة لعملية السجن والإقصاء والتهميش لرفاقه الضباط الذين كان لهم شرف تفجير ثورة 26 سبتمبر عام 1962 وقيام النظام والدفاع عنها ضد القوى الملكية ومن يقف خلفها ويمدها بالمال والسلاح من أنظمة عربية وإقليمية ودولية وخصوصاً في ملحمة فك حصار القوى الملكية عن العاصمة صنعاء الذي استمر لمدة سبعين يوماً، واعتبار ذلك التجريف لضباط الجيش السبتمبريين الشرفاء بمثابة تآمر على الجيش والثورة والنظام الجمهوري من جهة، ولأنه من جهة أخرى كما يقول موسى عبد الله قاسم (رفض أن يتسلم منصب نائب رئيس الجهاز المركزي للأمن الوطني المخابرات الذي عرض عليه نتيجة التغييرات التي طرأت على أهداف ثورة 26 سبتمبر حيث لم يعد الثائر عثمان أبو ماهر يجد ذاته فيها)(16). الأمر الذي اعتبرته السلطة موقفاً معادياً لتوجهاتها القمعية ليتم سجنه في سجن القلعة (قصر غمدان) بتهمة مفبركة لأكثر من ثلاث سنوات.
وفي عام 1972 أطلق سراحه من السجن وتسريحه من الجيش كغيره من الضباط السبتمبريين الشرفاء الذين تم اجثاثهم من الجيش وإحالته للعمل في السلك المدني وهو برتبة مقدم، بينما كان مقرراً قبل أن يتوجه إلى موسكو أن يرقى إلى رتبة عقيد.
🔸المناصب المدنية
عين في عام 1972م؛ مديرًا عامًّا لمكتب وزير الخدمة المدنية، ثم أعيد تعيينه مديرًا عامًّا لمكتب وزير الإعلام والثقافة. وفي عهد الرئيس (إبراهيم الحمدي) عُيّن مديرًا عامًّا للمصنفات الفنية في وزارة الإعلام والثقافة، ورئيسًا للجنة النصوص ثم عُيّن مديرًا عامًّا للإعلام الداخلي والخارجي بوزارة الإعلام والثقافة. وفي سنة 1988م عين ملحقًا إعلاميًّا بدرجة وكيل وزارة في السفارة اليمنية في الرياض ثم مستشارًا لوزارة الإعلام، وأعيد تعيينه في المنصب نفسه سنة 2003م بدرجة وزير.
🔶 أشعار أبو ماهر
ظهر المقاتل السبتمبري الثائر عثمان أبو ماهر كشاعر في أواخر الستينيات من القرن الماضي كأحد أبرز الشعراء العسكريين المعاصرين في اليمن الذي حملوا السيف والقلم (فكتب الشعر العمودي التقليدي البناء، ثم الشعر الجديد المتطور البناء، وأخيراً الشعر العامي الذي يجمع بين الشكلين التقليدي والمتطورة، أما الاتجاه العام لشعره فهو الاتجاه الوطني الذي يسود شعرنا المعاصر كله (17) .
وإن ما يتسم به شعره أنه صادر عن تجربة صادقة وإحساس مرهف وارتباط عميق في الواقع جسدت العواطف الوجدانية لجماهير الشعب وربطت بين الحب العام والحب الخاص، وفي مناجاة الفلاح والدعوة إلى الحنان بالأرض والإخلاص للتراب الذي يعطينا القوة والحياة، وإلى التغني بالثورة والجمهورية والوطن. وإن أهم ميزة يتمتع بها الشاعر عثمان أبو ماهر هي كما يقول الأديب والشاعر إبراهيم الحضراني هو (الإحساس البالغ الجمال تحسه حيثما وجد وأينما كان ..تحسه في أشباح فوارس الأحلام وهي تتراقص في جنون العذارى فتمنحها الجاذبية والسحر تحسه في سنابل الحقول وهي تترنح بهجة واعدة بالخير والرخاء، تحسه في الواقعة الصامدة في قمة الجبل لجندي أقفر ما حوله ولكن نفسه خصبة بما يحمله من مشاعر الحب )(18).
🔶 أولاً: الأشعار السياسية (المقروءة)
قبل تقديم أعمال عثمان أبو ماهر الشعرية السياسية والغنائية من خلال هذه السطور فانه من الاهمية توجيه عناية الأدباء والباحثين والدارسين الأكاديميين والنقاد المتخصصين كي يتناولوا كل المحاولات الشعرية والروائية والقصصية والمسرحية لعثمان أبو ماهر وأن يسلطوا الضوء عليها بكل صدق وأمانة سواء له او للثوار الشعراء العرب الاخرين الذين صنعوا الثورات الوطنية في تاريخنا العربي المعاصر. ومن ابرز قصائده هي : إلى من وهبت له أعز ايام العمر، مهزلة العدل ، قِبلة ، مشؤومة، رسالة سجين، المجازر، وغيرها.
وفي القصائد التي أوردها في ديوانه (النغم الثائر) تحدث الشاعر عثمان أبو ماهر كيف تحولت ثورة ال 26 سبتمبر الخالدة كالقطة تأكل بناتها بعد أن تسلل إليها الانتهازيون والحاقدون الذين حاولوا أن يحرفوها عن مسارها الحقيقي، ومالاقاه هو ورفاقه الثوار والمناضلين السبتمبريين من جحود وتنكر لأدواهم النضالية وما تعرضوا له من معاناة مريرة في سجون الثورة والجمهورية بكل أسف ومن تلك القصائد.
🔸 ثانيا: الأناشيد الوطنية وإصداراته الأدبية
نظَم الشاعر عثمان أبو ماهر العديد من الأغاني العاطفية والأناشيد الوطنية الثورية الخالدة الذي جسد فيها اليمن الأرض والثورة والجمهورية التاريخ والحضارة، وأشواق وأشجان وآمال الإنسان اليمني ولحنهاً وغناها كبار الفنانين والمطربين اليمنيين؛ منهم: (أيوب طارش عبسي)، (أحمد بن أحمد قاسم)، (عبده إبراهيم الصبري)، (محمد حمود الحارثي) و(عمر غلاب) و(احمد المعطري) و(عبد الباسط العبسي) ومنها : النغم الثائر ، وهي من أروع القصائد الوطنية التي كتبها الشاعر عثمان أبو ماهر وسمى ديوانه الشعري الأول باسمها كما تعد من أهم الأناشيد الوطنية التي لحنها وغناها الفنان الكبير أيوب طارش . و لحن الحقول، معينة الزراع ، ونشوة العمار ، و شبابة الساقية ، وزغاريد الغيول وغيرها الكثير.
وقد عُرف الثائر عثمان أبوماهر بنزعته الثورية وحنينه لتاريخ اليمن التليد وحضارته الضاربة في أطناب التاريخ سبأ وحمير وارتباطه بهما وكان دائم التغني بهما والسارد لأمجادهما كما انشد للدعوة للوحدة العربية.
🔶 ثالثاً: إصداراته
صدر للشاعر عثمان أبو ماهر الأعمال التالية:
1 – (النغم الثائر) ديوان شعر صدرت الطبعة الأولى منه عن دار ألف باء للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت ـ لبنان – سنة 1973م يقع في (178) صفحة من القطع المتوسط ويضم (59) قصيدة وقد أهداه (إلى وطنه وإلى التربة التي ارتوت من دمه ودم كل الذين سجلوا على صفحات تاريخها أنصع السطور حتى انتصر)، وقد وضع للطبعة الأولى للديوان مقدمة رئيسية الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح وإلى جانبها كتب الأستاذ الشاعر إبراهيم الحضراني مقدمة إنطباعية قصيرة.
2-(هيجة ما يدخلها حطاب ) رواية واقعية صدرت عن الهيئة العامة للكتاب – صنعاء – الجمهورية اليمنية عام 2009 م تقع الرواية في (125) صفحة من القطع المتوسط و تسجل على لسان أبطالها سطور من معاناة شعبنا اليمني من الإمامة في شمال الوطن والاستعمار البريطاني في جنوبه ونضاله الدامي المرير حتى قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962 الذي أطاحت بالنظام الامامي وإقامة النظام الجمهوري في الشمال وثورة 14 اكتوبر عام 1963في جنوب الوطن وكيف هب شعبنا اليمني من جنوب الوطن وشماله في الدفاع عن ثورة سبتمبر ودعم ثورة أكتوبر ، ولتأكيد على أهمية الوحدة اليمنية والعربية وغيرها من القضايا الأخرى.
3- (مجموعة قصصية) تقع في (75 ) صفحة من القطع المتوسط صدرت في كتاب واحد مع رواية ( هيجة مايد خلها حطاب ) من نفس الجهة السالفة وتضم أربع قصص قصيرة هي : (السوجري )و-(حيدر في غرفة التحقيق)و ـ (فحا تت ) وقد أهدى ابو ماهر الرواية والمجموعة القصصية إلى روح ابن أخيه (الذي حمل رأسه على كفه ورحل فداء للوطن والثورة والجمهورية وهو في ريعان شبابه ).
4- كما صدر له ( قصة الحلم الواعد ) عن مطابع مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر بصنعاء الجمهورية اليمنية عام 1990م وقصة الحلم الواعد هي أشبه بمسرحية ملحمية. كتب مقدمتها المشير عبد الله السلال رئيس الجمهورية الأسبق أشاد فيها بالكاتب عثمان ابو ماهر وبمضمون هذه القصة الواقعية التي جسدت وقائع الانتصارات البطولية الرائعة التي سطرها ابطال جيش الثورة والجمهورية في ملحمة الخوبة وحرض ضد فلول النظام الامامي الذي حدثت حوالي بعد(28) يوما من قيام ثورة 26 سبتمبر. وقد حرص عثمان ابو ماهر أن يسمي ابطال هذه الملحمة بالأسماء الحقيقية للجنود والصف والضباط الذين شاركوا في هذه الملحمة، وإبراز دور كل واحد منهم كما هي بكل شفافية.
هذا إضافة إلى مجموعة أخرى تحت الطبع.
🔶 وفاته
انتقل إلى جوار ربه رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته في 20-1-2013 في العاصمة صنعاء عن عمر يناهز 74 بعد حياة حافلة في البذل والعطاء في سبيل والوطن والشعب والثورة.
المصادر
1-الاستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح – مقدمة الطبعة الأولى لديوان ( النغم الثائر ) للشاعر عثمان ابو ماهر-الصادر عن دار الف باء – للطباعة والنشر والتوزيع -بيروت لبنان -صفحة 😎
2-الصفحة الاخيرة من غلاف ديوان ( النغم الثائر ) نبذة عن الشاعر
3-عثمان ابو ماهر ،بندقية الثورة وقصيدة ايلول “سيرة ذاتية “”رأي اليمن ” موسى عبد الله قاسم -15-9-2018م
4-عثمان ابو ماهر غلاف الصفحة الأخيرة من ديوان النغم الثائر
5- موسوعة المحيط – عثمان ابو ماهر 9-ديسمبر 2017- اخر تعديل 11-اكتوبر 2018
6- موسوعة محيط المصدر السابق
7-الصفحة الأخيرة من غلاف ديوان ( النغم الثائر ) الطبعة الأولى
8-عبد الأله بن عبد الله كتاب ( نكسة الثورة في اليمن ) ص( 72-73) بدون دار نشر التاريخ اصدار
9-ديوان ( النغم الثائر ) نبذة عن الشاعر -الصفحة الأخيرة للغلاف
10- فوزي العريقي -عثمان ابو ماهر 21-10-2016 م
11- كتاب (الرأي العام)”4″ أبرز الأحداث اليمنية في ربع قرن “سبتمبر 1962-سبتمبر1987”
من ارشيف صحيفه ( الرأي العام )ص 23
12-عبد الإله بن عبد الله كتاب (نكسة الثورة في اليمن )ص(111-112)
13- عبد الإله بن عبد الله المصدر السابق ص 138-139)
14-للمزيد من التفاصيل الشاملة راجع كتاب -اللواء الركن / يحيى مصلح مهدي – شاهد على الحركة الوطنية ( سيرته ونضاله )- إعداد عبد الله خادم احمد العمري -مركز عبادي للدراسات والنشر – صنعاء الجمهورية اليمنية- الطبعة الأولى 1430هجرية الموافق 2009م- الفصل الثاني – التوجه إلى القاهرة من ص96 إلى 109)
15- راجع للمزيد من المعلومات – يحيى محمد سيف – (أحداث اغسطس في اليمن الواقع والأسباب والنتيجة الكارثية ) شبكة ذي قار صوت المقاومة العراقية البطلة + موقع مكتب الثقافة والإعلام القومي لحزب البعث العربي الاشتراكي
16-موسى عبد الله قاسم – عثمان ابو ماهر (بندقية الثورة وقصيدة ايلول ) “رأي اليمن ” 15-9-2018 م
17- الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح المصدر السابق ص 9
18- الأستاذ إبراهيم الحضراني المصدر السابق ص13